الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين. أما بعد: لم يعد الإصلاح اليوم يقتصر على الجزئيات في الأنظمة الحياتية، بل هو عملية تكاملية تتغلغل في الجزئيات والكليات حتى يصل إلى الذروة فيكتمل معه مشروع بناء الحياة. والنظام الاقتصادي العام هو كغيره من الأَنظمة الحياتية بحاجة إلى الإصلاح وإعادة رسم الأسس التي يبني عليها صرحه وأعمدته وهيكله. من هنا: تظهر الحاجة إلى إعادة النظر في النظام الاقتصادي العام لكل دولة أو حكومة على وفق الأسس الرصينة التي جاء بها القرآن والعترة النبوية، لاسيما ذلك الإرث العلمي الذي زخرت به حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بمقتضى تمكنه من ممارسة مهام تدبير شؤون الحاكم والرعية، والوسط الحياتي الذي يجمع الاثنين وهو الأوطان والولايات. فقد وظف عليه السلام الإصلاح بوصفه منظومة حياتية مترابطة الأجزاء متصلة الاطراف فأصلح الاقتصاد بالتوازي مع تغيير الولاة، والمسؤولين، وأصحاب المناصب، والتعامل مع الطبقات الوسطى والدنيا في المجتمع، فضلاً عن التركيز في البدء على الحاكم أو الوالي وهو أمر التفتت إليه الدول المتحضرة والمتقدمة في المجالات العلمية والنظم الحياتية. إذ أصبح لزاماً على كل من يتصدى لتولي رئاسة الحكومة في هذه البلدان تقديم برنامجه الانتخابي ورؤيته الإصلاحية لإعادة التوازنات وسد النقص ورفع الخلل في مفاصل الدولة وإن لم يكن من أهل الاختصاص مثلا في الاقتصاد بحد ذاته أو غيره من الأنظمة التي تبنى بها حياة المؤسسات وحياة المواطن. وإلا بغياب هذه الرؤية الإصلاحية في البرنامج الانتخابي يعود المرشح للرئاسة صفر اليدين. لذا: يقدم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لاسيما في العهد الشريف الذي كتبه لواليه على مصر، منظومة إصلاحية متكاملة في النظام الاقتصادي العام دون الخوض في المفردات والجزئيات التي تتجدد بفعل الزمان والمكان، أما النظام العام فهو الأساس لقيام الهيكل الاقتصادي لأي حكومة، ومن ثم لابد من العودة إلى تلك الأسس العلوية لإصلاح الخلل. وهو ما حاولنا عرضه من خلال ملف العدد الموسوم بـ (إصلاح النظام الاقتصادي العام على هدي العهد العلوي). الذي يقدم رؤية الباحثين في المعالجات المرتكزة على منهج الإصلاح.
6.9MB مجلة