الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة والتسليم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آل بيته الطاهرين وصحبه المنتجبين. تتفاوت المؤسسات الثقافية والعلمية في طبيعة أهدافها وسبل تحقيقها وتنتهج لها أقصرها طريقا وأقلها كلفة وأوفاها عملا، وهكذا الأمر حين تكون هذه المؤسسات علمية محضة لا تهدف إلا إلى نشر العلم لمن يبتغيه مع مراعاة إيصاله إلى الأجيال اللاحقة. وحين يكون هذا العلم كاملا في معناه وبديعا في مبناه تتضاعف المسؤولية في العمل زد إليه اتصافه بالقدسية وارتباطه بأولياء الله وأحبائه. ومن هنا كان الدرس في النص الإعجازي القرآني أو البحث في تراث السنة النبوية الشريفة وأهل البيت (عليهم السلام) مما يغني الباحث ويزيده ثراء معرفيا ولاسيما حين يدرك أن هذا التراث مما يزيد الإنسانية عطاء ويروي ظمأ الساعين إلى التزود بالحقيقة، يَهَب أصول الأخلاق في وقت جفت به جذور الخلق القويم، ويُذكّر بمنابع الإنسانية في زمن نسي فيه الإنسان أنه إنسان متميز بتحفة العقل وحياء الجمال. ولا ريب في أن تلك رسالات الأنبياء التي تهدف إلى بناء الإنسان وتربيته تربية صالحة، تعيد له إكرامه وتحمله على الطريق القويم، في وسط عباب من التحديات الراهنة المعقدة التي تشوه له الحقائق وتقدم له الضلال بهيأة صلاح، والمفاسد بشكل حقائق مبتغاة، وما ذلك إلا لإرباك حركته وإفساد سبيل صلاحه بادعاءات مختلفة كضرورة اللحاق بركب الحضارة الجديدة، ومواكبة شعارات الحرية التي أصبحت شعارات سياسية أكثر منها إصلاحية. ذلك وغيره مما تهدف إليه المؤسسات الملتزمة ببناء حضارة العقل، وعلى ذلك تأسست أهداف مؤسسة علوم نهج البلاغة ومجلتها الرائدة (المبين)، وتسعى أسرة التحرير للمجلة إلى توخي التجديد والدعوة إلى نشر ما ينفع القاريء فيما يخص تراث أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذا هو العدد العاشر الذي صدر- برغم الظروف المعقدة في أيامنا هذه- حاولنا فيه تغطية مساحات إدارية وسياسية واجتماعية مختلفة في البحث الدائر حول فكر الإمام علي (عليه السلام) وبيئته، ونزعم أن هذا العدد سلسلة مكملة لما سبق من جوانب أدبية وأسلوبية وتركيبية شملتها الأعداد السابقة ، وتم اعتماد نشرها بالطريقة ذاتها من التحكيم العلمي ونخلها تحت يد خبراء علميين تنتقيهم المجلة بناء على سيرتهم العلمية الرصينة وذلك عمل معتاد للمجلات العلمية التي تتوخى الرصانة في نشر البحث العلمي فلا تتهاون فيه، لأنها مما يزيدها انتشارا بين الأكاديميين وطلاب المعرفة من مختلف المؤسسات العلمية الحوزوية والأكاديمية ومراكز الثقافة المختلفة. وهنا نود أن نذكر مطمحا نسعى إليه ونحن في طريق تحقيقه هو إدخال المجلة في مستوعبات عالمية رصينة لتكون سبيلا آخر لنشر عالميتها ومطمحا جديدا لباحثينا لنشر بحوثهم في هذه المستوعبات، ونحن ماضون في هذا الاتجاه مواكبة للنشر الإلكتروني البعيد المدى وتحقيقا لأمل الباحثين في نشر ما يعتقدون من حقائق في علم أهل البيت (عليهم السلام) ورياداتهم المختلفة للعلوم، لنفتح بذلك بوابة من المعارف لا تنتهي لأنها طريق عالمي لمحبي أهل البيت والباحثين في حقائقهم، وهي بعد فرصة لإمكان التعرف على أقلام عالمية جديدة مثلما هي فرصة لأن تكون حاضنة لما يكتبون. ونحن لا ندعي أن تحقيق هذا الأمر سهل يسير ولكننا ماضون في الاتجاه الصحيح نحوه فانعقدت النوايا لتنفيذه على الأقل في الحصول على الاعتراف بالشهادة العالمية العربية في معامل التأثير العربي أرسيف Arcif، وهو بداية الطرق بإذن الله. ويسرنا التذكير دائما بدعوة العلماء والباحثين المجيدين إلى شحذ الأقلام لمزيد من الدراسة في بحر نهج البلاغة واستخراج درره، فنؤكد الدعوة لهم إن مجلة (المبين) تستهدف مراكز العلم من جامعات وكليات ومراكز بحث وحوزات علمية مختلفة للتزود من هذا المعين الإلهي الذي اكتنز على درر لم تصلها يد غواص ماهر بعد. وندعو الله أن يوفقكم ويوفقنا إلى تقديم ما هو أصلح ومفيد بعيدا عن الاجترار للمعلومة وتكرارها، وأن يأخذ بأيدينا إلى اكتشاف حلول ما يستعصي علينا من إشكالات اجتماعية وصحية وإدارية فما يتضمنه علم القرآن وعلم حملته الحقيقيين كفيل بذلك. بذلك التوكل على الله تعالى نعقد العزائم وهمنا بناء الإنسان كما أراده الله تعالى ورسله وأولياؤه صلوات الله عليهم أجمعين، والحمد لله رب العالمين بدءا وختاما.
4.7MB مجلة