إنَّ أهم ما يتميز به الإمام علي (عليه السلام) أنه يمتلك أهم عناصر الإصلاح وهما: المبادرة والتصدي كما أنَّه كان يُقرن القول بالفعل وكان منهجه في الإصلاح يقوم على ثنائية (الراعي والرعية): (فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ اَلرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ اَلْوُلاَةِ وَ لاَ تَصْلُحُ اَلْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ اَلرَّعِيَّةِ) ولذلك كانت أُولى خطواته في إصلاح ما أفسده الذين سبقوه على المستوى الإداري هو التغيير الشامل للولاة وعلى المستوى الاجتماعي هو إلغاء مبدأ الأَثَرَة والعودة إلى مبدأ الأُسوة في توزيع الفيء مخاطباً الناس قائلاً: (فأما هذا الفيء فليس لإحد على أحد فيه أثرة وقد فرغ الله من قسمته فهو مال الله، وانتم عباد الله المسلمون). وقد وجد الإمام علي (عليه السلام) أنَّ نجاح مشروعه الإصلاحي يتطلَّب ثقافة تدعمه وتشجع الناس على ترك ما اعتادوا عليه من عادات سيئة , وتُحصِّنهم من القِوى التي تقف بوجه الإصلاح. فأولى تثقيف الأُمة اهتماماً بالغاً وكان متميزاً بهذا الجانب ويكاد لا يخلو مصدر من مصادر التراث العربي والإسلامي من كلام له (عليه السلام). وقد بادر الشريف الرضي (ت 406 هـ) رحمه الله فاختار من هذا الكلام وجَمَعَه في كتاب أسماه نهج البلاغة. والبحث الموسوم بـ(صلاح الراعي وإصلاح الرعية قراءة في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) واحد من بين هذه الدراسات التي اهتمت بالحقل الاجتماعي الذي زخر به العهد الشريف فبيّن أن العلاقة الإصلاحية لا تقتصر على الرعية بل تبدأ بالراعي وتنتهي بالرعية بنسب محددة وأسس ثابتة.
1.1MB كتاب